الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
قدم يوسف الكيمياوي إلى مصر. وكان من خبر هذا الرجل أنه كان نصرانياً من أهل الكرك فأسلم ومضى إلى دمشق بعدما خدع بمدينة صفد الأمير بهادر التقوى حتى انخدع له وأتلف عليه مالاً جزيلاً فلما ظهر له أمره سجنه مدة ثم أفرج عنه. فاتصل يوسف بالأمير تنكز نائب الشام وقصد خديعته فلم ينخدع له وأمر والي دمشق بشنقه فصاح وقال: " أنا جيت للسلطان حتى أملأ خزانته ذهباً وفضة ". فلم يجد تنكز بداً من إرساله إلى السلطان فقيده وأركبه البريد مع بعض ثقاته وكتب بخبره وحذر منه. فلما اجتمع يوسف بالسلطان مال إلى قوله وفك قيده وأنزله عند الأمير بكتمر الساق وأجري عليه الرواتب السنية وأقام له عدة من الخدم يتولون أمره وخلع عليه وأحضر له ما طلب من الحوائج لتدبير الصنعة حتى تم ما أراده. فحضر يوسف بين يدي السلطان وقد حضر الفخر ناظر الجيش والتاج اسحاق وابن هلال الدولة والأمير بكتمر الساقي في عدة من الأمراء والشيخ إبراهيم الصائع وعدة من الصواغ فأوقدوا النار على بوطقة قد ملئت بالنحاس والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع فألقي عليه يوسف شيئاً من صنعته وساقوا بالنار عليها ساعة ثم أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب كأجود ما يكون زنتها ألف مثقال فأعجب السلطان ذلك إعجاباً كثيراً وسر سروراً زائداً وأنعم على يوسف بهذه الألف مثقال وخلع عليه خلعة ثانية وأركبه فرساً مسرجاً ملجماً بكنبوش حرير وبالغ في إكرامه ومكنه من جميع أغراضه. فاتصل به خدام السلطان وقدموا له أشياء كثيرة مستحسنة فاستخف عقولهم حتى ملكها بكثرة خدعه فبذلوا له مالاً جزيلاً. ثم سبك يوسف للسلطان سبيكة ثانية من ذهب فكاد يطير به فرحاً وصار يستحضره بالليل ويحادثه فيزيده طمعاً ورغبة فيه فأذن له أن يركب من الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء من القاهرة ومصر فركب وأقبل على اللهو وأتاه عدة من الناس يسألونه في أخذ أموالهم طمعاً في أن يفيدهم الصنعة أو يغنيهم منها فمرت له أوقات لا يتهيأ لكل أحد مثلها من طيبتها. ثم إنه سأل أن يتوجه إلى الكرك لإحضار نبات هناك فأركبه السلطان البريد وبعث معه الأمير طقطاي مقدم البريدية بعدما كتب إلى نائب عزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء ما يرسم به والقيام بجميع ما يحتاج إليه من ديوان الخاص فمضى يوسف إلى الكرك وأبطأ خبره ثم قدم وقد ظهر كذبه للسلطان فضيق عليه. وفي تاسع عشر شوال: قدمت رسل الملك المجاهد على من اليمن بهدية وفيها فيلان فأنكر السلطان عليهم من أجل أن المجاهد قبض على رسول ملك الهند وأخذ هدية السلطان ثم قتله وأمر بهم فسجنوا. وفي ليلة السبت سادس عشر ذي القعدة: أخرج السلطان من في القاهرة ومصر من الجذمى والبرصان وأمرهم بسكنى الفيوم. وفيه: أخرب الأمير تنكز نائب الشام الحوانيت المجاورة لباب النصر خارج دمشق من ضيق الطريق حتى وصل الهدم إلى الجسر تجاه البحر وحفر حتى أخرج الأساسات فصار فضاء. وفيه: جدد الأمير قوصون خطته بالجامع بخط المصلى. وفيه: ابتدأ الأمير ألماس الحاجب بعمارته الجامع الذي عرف باسمه بخط حوض ابن هنس خارج باب زويلة من القاهرة. وفيه: ابتدأ الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي في عمارة مدرسة بجوار داره قريباً من درب ملوخيا بالقاهرة ووقف عليها أوقافاً جليلة. وفيه ابتدا علاء الدين طقطاي أحد مماليك السلطان في عمارة جامع بين السورين من القاهرة وسماه جامع التوبة لكثرة ما كان هناك من الفساد وأقام به خطبة للجمعة. وفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجة: استقر ناصر الدين بن المحسني في ولاية القاهره وقد نقل إليها من ولاية المنوفية عوضاً عن عز الدين الزراق. وفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة قتل الأمير الدمر أمير جندار بمكة وكان من خبر ذلك أن أمير الركب العراقي في هذه السنة كان من أهل توريز يعرف بمحمد الحجيج وكان يتقرب من أولاد جوبان فترقى بهم إلى معرفة السلطان بورسعيد فعظم أمره وجعله من ندمائه وبعثه رسولا إلى مصر غير مرة. فأعجب به السلطان الناصر ولاق بخاطره إلى أن بلغه عنه أنه تعرض في مجلس أبي سعيد لشيء ذكر مما يكرهه السلطان فتنكر له وأسر ذلك في نفسه فلما بلغه أنه سار أمير الركب العراقي كتب إلى الشريف عطفة بن أبي نمى سر ان يتحيل في قتله فلم يجد
عطيفة بداً من امتثال ما أمر به وأطلع ولده مبارك بن عطيفة ومن يثق به على ذلك وتقدم إليهم بأعمال الحيلة فيه. فلما قضى الحاج النسك عاد منهم الأمير علم الدين سنجر الجاولي إلى مصر ومعه جماعة في يوم الأربعاء ثاني عشر ذي الحجة. وتأخر الأمير سيف الدين خاص ترك أمير الحاج والأمير الدمر جاندار والأمير أحمد ابن خالة السلطان ليصلوا بمكة صلاة الجمعة ومعهم بقية حجاج مصر. فلما حضروا للجمعة وصعد الخطيب المنبر أراد الشريف عمل ما رسم له به وأخذ العبيد في إثارة الفتنة بين الناس ليحصل الغرض بذلك. وأول ما بدأوا به أن عبثوا ببعض حاج العراق وخطفوا شيئاً من أموالهم. وكان الشريف عطيفة جالساً إلى جانب الأمير خاص ترك أمير الركب فصرخ الناس بالأمير ألدمر وليس عنده علم بما كتب به السلطان إلى الشريف عطيفة وكان مع ذلك شجاعاً حاد المزاج قوي النفس فنهض ومعه من المماليك وقد تزايد صراخ الناس وأتى الشريف وسبه وقبض بعض قواده و أخرق به فلاطفه الشريف فلم يلن. واشتد صياح الناس فركب الشريف مبارك بن عطيفة في قواد مكة بآلة الحرب وركب جند مصر. فبادر خليل ولد الأمير ألدمر وضرب أحد العبيد فرماه العبد بحربة قتله فاشتد حنق أبيه وحمل بنفسه لأخذ ثأر ولده فقتل. ويقال بل صدف الشريف مبارك بن عطيفة وقد قصد
ركب العراق وعليه آلة حربه فقال له. " ويلك تريد أن تثير فتنة وهم أن يضربه بالدبوس فضربه مبارك بحربة كانت في يده أنفذها من صدره فخر صريعاً وقتل معه رجلان من جماعته. فركب أمير الركب عند ذلك ونجا بنفسه ورمي مبارك بن عطيفة بسهم في يده فشلت. واختبط الناس بأسرهم وركب أهل مكة سطح الحرم ورموا أمير أحمد ابن خالة السلطان ومن معه بالحجارة وقد أفرغ نشابه بين يديه هو ومن معه ورمي بها حتى خلص أيضاً وفر أمير ركب العراق وتحير الشريف عطيفة في أمره ومازال يداري الأمر حتى خرج الحاج بأجمعهم من مكة وتوجهوا إلى بلادهم. وكان من غريب الاتفاق أن في يوم الجمعة الذي قتل فيه ألدمر كأنما نودي في القاهرة ومصر وقلعة الجبل بقتل ألدمر في فتنة كانت بمكة في هذا اليوم وتحدث الناس بذلك حديثاً فاشياً إلى أن بلغ السلطان وأمراء الدولة. فلم يعبأوا به وجعلوه من ترهات العامة. وأغرب من ذلك أن الأمير علم الدين سنجر كان كاشفاً بالغربية من نواحي القاهرة فلما عاد منزله بعد صلاة عيد الأضحى وافاه أحد غلمانه وقد حضر اإيه من القاهرة فأخبره أنه أشيع بالقاهرة أن فتنة كانت بمكة قتل فيها الأمير ألدمر أمير جندار فسخر من قوله وقال: " هذا كلام لا يقبله عاقل وأخذ الخبر ينتشي حتى تحدث به كل أحد.
واتفق في هذه السنة أنه وصل صحبة حاج العراق فيل من جهة الملك أبي سعيد يحمل محملهم فتشاءم الناس به وقالوا: " هذا عام الفيل فكان من الفتنة بمكة وقتل ألدمر ما كان. فلما قارب حاج العراق ذا الحليفة من المدينة النبوية وقف الفيل وتقهقر فضربوه ليسير فصار كلما أكره على أن يتقدم إلى جهة المدينة تأخر إلى ورائه. هذا وهم يضربونه وهو يتأخر إلى أن سقط ميتاً وذلك في ثالث عشرى ذي الحجة. ويقال إنه بلغت الثفقة على هذا الفيل منذ خرج من العراق إلى أن هلك زيادة على ثلاثين ألف درهم ولم يعرف مقصد أبي سعيد في بعثه الفيل إلى مكة. وفيها نقل شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن نجد بن حمدان الشهير بابن النقيب الشافعي من قصاء طرابلس إلى قضاء القضاة بحلب عوضاً عن فخر الدين عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم المعروف بابن البارزي بعد وفاته واستقر في قضاء طرابلس شمس الدين محمد بن المجد. وفيها بلغت زيادة ماء النيل عشرة أصابع من ثمانية عشر ذراعاً. وكان وفاؤه يوم الأحد خامس عشرى شوال وهو تاسع عشر مسرى.
أحمد بن أبي طالب بن أبي النعم بن نعمة بن الحسن بن علي المعروف بابن السحنة الحجار الصالحي الدمشقي في خامس عشرى صفر ومولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وقد صار مسند الدنيا وتفرد بالرواية عن ابن الزبيدي وابن الليثي مدة سنتين لا يشاركه فيها أحد وسمع الناس عليه صحيح البخاري أكثر من سبعين مرة وقدم القاهرة مرتين وحدث بها. وتوفي الأمير سيف الدين بهادر آص أحد أمراء الألوف بدمشق في تاسع عشر صفر وأنعم بإقطاعه على الأمير سنجر الجمقدار وكان شجاعاً مقداماً في الحرب ولي نيابة صفد وكان له أربعة أولاد منهم اثنان أمراء فكان يضرب على بابه ثلاث طبلخاناه. وتوفي الأمير سيف الدين بلبان الكوندي المهمندار الدوادار بدمشق في نصف جمادى الأولى وكان أحد الأمراء العشروات. وتوفي الأمير سيف الدين بلبان الصرخدي الظاهري أحد أمراء الطبلخاناه بالقاهرة في العشرين من جمادى الآخرة وقد تجاوز الثمانين وكان خيراً. وتوفي الأمير قلبرص بن الحاج طيبرس الوزيري بدمشق ليلة الجمعة ثامن ذي القعدة. وتوفي الأمير سيف الدين بلبان الجمقدار المعررف بالكركند في سابع ربيع الآخر كان من كبار الأمراء.
وتوفي الأمير سيف الدين بلبان الكوندكي أحد أمراء دمشق في سابع عشرى شعبان وخرج طيبغا حاجي على إقطاعه وكان جواداً. وتوفي الأمير سيف الدين ألدمر أمير جندار مقتولاً بمكة في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة وله خارج باب زويلة من القاهرة حمامات وكانت أمواله جزيلة. وتوفي القاضي علاء الدين علي ابن القاضي تاج الدين أحمد بن محمد بن سعيد بن الأثير كاتب السر في يوم الأربعاء خامس عشر المحرم بعدما أصابه مرض الفالج مدة سنة كاملة وهو ملازم بيته وكان ذا سعادة جليلة وحرمة وافرة وجاه عريض ويضرب به المثل في الحشمة. وتوفي الوزير شمس الدين أبو القاسم محمد بن سهل بن أحمد بن سهل الأسدي الغرناطي الأندلسي بالقاهرة قافلاً من الحج وكان صاحب فنون من قراءات وفقه ونحو وأدب وتاريخ. وتوفي ناصر الدين شافع بن محمد بن علي بن عباس بن اسماعيل الكناني العسقلاني سبط ابن عبد الظاهر في سابع عشري شعبان بعدما عمي وكان أديباً مشاركاً في عدة علوم وله عدة مصنفات ونظم جيد ونثر مليح وهو أحد كتاب الإنشاء. وتوفي سعد الدين محمد بن محمد بن عطايا في يوم السبت سابع عشرى رمضان ولي نظر البيوت ونظر الرواتب ثم ولي الوزارة في أيام بيبرس وسلار ثم صرفه الملك الناصر لما قدم من
وتوفي الأمير سيف الدين قدادار والي القاهرة في سادس عشر صفر وأنعم بإمرته على الأمير طاجار القبجاقي وأصله من مماليلك الأمير برلغي وترقى إلى أن ولي ولاية الغربية وولاية البحيرة وولاية القاهرة وتمكن فيها تمكناً زائداً وكان جريئاً على الدماء ثم صرف عن ولاية القاهرة بناصر الدين محمد بن المحسن وأقام في داره إلى أن خرج إلى الحج وهو ضعيف ثم قدم فلزم الفراش حتى مات. وتوفي الأمير بلبان الديسني في خامس عشر ربيع الأول وأنعم بأمرته على برلغي. وتوفي الأمير كجكن الساقي في سادس صفر وأنعم بإقطعاعه على سنقر الخازن. وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن ملكشاه في ثاني عشر صفر وأنعم بإقطاعه على بكمان. وتوفي الشيخ شمس الدين محمد بن الروم شيخ خانكاه بكتمر الساقي في يوم الأحد ثالث عشرى ذي الحجة وولي عوضه الشيخ زاده الدوقاني. وتوفي الشيخ زين الدين أيوب بن نعمة الكحال البالسي في ذي الحجة وقد أناف على التسعين حدث بمصر ودمشق عن المرسي والرشيد العراقي في آخرين وانفرد في الرواية. وتوفي ركن الدين عبد السلام بن قطب الدين عبد القادر بن محمد بن أبي صالح نصر بن عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني في أخر جمادى الآخرة بدمشق قدم القاهرة مراراً
وتوفي فخر الدين أبو عمرو عثمان بن الجمال أحمد بن محمد بن عبدالله الظاهر في رجب ودفن بزاوية أبيه خارج باب البحر من القاهرة ومولده سنة سبعين وستمائة سمع الحديث من جماعة كثيرة وحدث.
أهلت بيوم الإثنين: وفي ثالث المحرم: قدم مبشرو الحاج وأخبروا بما وقع بمكة من الفتنة وقتل الأمير ألدمر أمير جندار وولده فتعجب الناس من صحة ما أشيع بالقاهرة من قتل ألدمر في يوم قتله. فشق على السلطان ذلك وكتب بإحضار الشريف عطفة أمير مكة وولده وقواده. وفي ثاني عشره: خلع على الأمير عز الدين أيدمر العلائي الجمقدار المعروف بالزراق المستقر في ولاية القاهرة ورسم له أن يكون أمير جندار ثم خلع على الأمير سيف الدين أرنبغا السلحدار واستقر أمير جندار عوضاً عن ألدمر. وفي تاسع عشريه: استقر فخر الدين محمد تاج الدين محمد بن مؤتمن الدين الحارث ابن مسكين الشافعي في قضاء الإسكندرية وتوجه إليها في عاشر ربيع الأول. وفي المحرم هذا: قدم الحاج وأخبروا بكثرة الفتن بمكة بين الشريفين عطيفة ورميثة وقوة رميثة على عطيفة ونهبه مكة وخروجه عن الطاعة وأنه لم يلق ركب الحجاج فكتب بحضوره. فلما ورد المرسوم بطلب الشريفين إلى مصر اتفقا وخرجا عن الطاعة فشق ذلك على السلطان
وعزم على إخراج بني حسن من مكة. وتقدم السلطان إلى الأمير سيف الدين أيتمش أن يخرج بعسكر إلى مكة وعين معه من الأمراء الأمير طيدمر الساقي والأمير أقبغا آص والأمير أقسنقر والأمير طرقش والأمير طقتمر الأحمد والأمير طقتمر الصلاح وأربعة عشر من مقدمي الحلقة وعدة من أعيان أجناد الحلقة. استدعى السلطان الأمير أيتمش بدار العدل وقال له بحضرة القضاة: " لا تدع في مكة أحداً من الأشراف ولا من القواد ولا من عبيدهم وناد بها من أقام منهم حل دمه. ثم أحرق جميع وادي نخلة وألق في نخلها النار حتى لا تدع شجرة مثمرة ولا دمنة عامرة وخرب ما حول مكة من المساكن وأخرج حرم الأشراف منها وأقم بها بمن معك حتى يأتيك عسكر أخر ". فقام في ذلك قاضي القضاة جلال الدين محمد القزويني ووعظ السلطان وذكره بوجوب تعظيم الحرم إلى أن استقر الأمر على أن كتب لرميثة أمان وتقليد بإمرة مكة. وسار العسكر من ظاهر القاهرة في نصف صفر وعدتهم سبعمائة فارس. وفي سابع ربيع الأول: توجه السلطان إلى سرياقوس فأقام بها أياماً ثم سار إلى البحيرة والمنوفية ومضى على الجيزة إلى البهنساوية وعاد إلى قلعة الجبل في حادي عشر ربيع الآخر. وفي يوم الأربعاء سابع عشرى ربيع الأول. استقر شرف الدين أبو محمد عبدالله ابن الحسن بن عبدالله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي الحنبلي في قضاء الحنابلة بدمشق
وفي مستهل ربيع الآخر: تولى علاء الدين الطويل المنوفية ثم بطل ذلك وتولى فخر الدين أياس الدواداري المنوفية في اليوم المذكور. وفي جمادى عشريه: خلع على ركن الدين الكركر واستقر في ولاية قوص " عوضاً عن غرس الدين خليل أخي طقصبا. وفي ثالث عشريه: سار السلطان إلى ناحية طنان وأقام هناك أياماً ثم عاد إلى الجيزة فأقام بها عدة أيام. ثم توجه السلطان إلى الحمامات ثم رجع فدخل قلعة الجبل في رابع جمادى الأولى. وقدم عليه في سفره هذا رسل الملك أبي سعيد بن خربندا. وفي حادي عشريه أيضاً: استقر الأمير عز الدين أيدمر العلائي المعروف بأستادار ألطبغا الحاجب في ولاية الوجه البحري وكان والي أسيوط ومنفلوط. وفي يوم الإثنين سابع عشريه: مات الأمير أرغون الدوادار نائب حلب فخلع على الأمير علاء الدين ألطبغا الصالحي بنيابة حلب في يوم الخميس أخره وتوجه إليها. وفي جمادى الأولى: مرض القاضي تاج الدين إسحاق ناظر الخاص. وتوفي يوم الإثنين أول جمادى الآخر. وترك القاضي تاج الدين من الأولاد علم إبراهيم ناظر الدولة وشمس الدين موسى وسعد الدين ماجد بعدما وصي بهم الفخر ناظر الجيش
فتوسط الفخر لهم مع السلطان إلى أن استدعي من الغد شمس الدين موسى وخلع عليه وقرره في نظر الخاص ووكالة السلطان عوضاً عن أبيه وقد كان ينوب عنه في حياته وأقر السلطان أخاه علم الدين إبراهيم في نظر الدولة وأقر علاء الدين بن هلال الدولة في شد الدواوين وشد الخاص وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه. و فيه استقر علاء الدين محمد بن نصر الله الجوحري شاهد الخزانة فيما كان بيد شمس الدين موسى قبل ولايته نظر الخاص. و فيه استقر جمال الدين يوسف أخو قنغلي في ولاية الشرقية بسفارة الأمير بكتمر الساقي واستقر أخوه شجاع الدين قنغلي في ولاية البهنساوية. وفي يوم السبت سادسه: خلع على عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة واستقر في وكالة السلطان عوضاً عن التاج إسحاق ناظر الخاص بعد وفاته. وفي سابع جمادى الآخرة: قدم الأمير أيتمش بالعسكر المجرد إلى مكة فكانت مدة غيبتهم أربعة أشهر تنقص ثمانية أيام. وكان من خبرهم أنهم لما قدموا مكة كان الشريف رميثة قد جمع عرباً كثيرة يريد محاربتهم فكتب إليه الأمير أيتمش يعرفه بأمان السلطان له وتقليده إمرة مكة ويحثه على الحضور إليه ويرغبه في الطاعة ويحذره عاقبة الخلاف ويهدده على ذلك ويعرفه بما أمر به
السلطان من إجلاء بني حسن وأتباعهم عن مكة. فلما وقف رميثة على ذلك اطمأن إلى الأمير أيتمش وأجابه بما كان قد عزم عليه من الحرب لو أن غيره قام مقامه وطلب منه أن يحلف هو ومن معه ألا يغدره وأن يقرضه مبلغ خمسين ألف درهم يتعوضها من إقطاعه. فتقرر الحال على أن يبعث إليه الأمير أيتمش عشرة أحمال من الدقيق والشعير والبقسماط وغيره ومبلغ خمسة ألاف درهم فقدم حينئذ. فلما قارب رميثة مكة ركب الأمير أيتمش بمن معه إلى لقائه فإذا عدة من قواده مع وزيره قد تقدموه ليحلفوا له العسكر فعادوا بهم إلى الحرم وحلفوا له أيماناً مؤكدة ثم ركبوا إلى لقائه وقابلوه بما يليق به من الإكرام فلبس رميثة تشريف السلطان وتقلد إمارة مكة وعزم على تقدمة شي ء للأمراء فامتنعوا أن يقبلوا منه هدية وكتبوا إلى السلطان بعود الشريف إلى الطاعة وخرجوا من مكة يريدون القاهرة. فلما وصلوا دخل الأمير أيتمش على السلطان فشكره على ما كان منه. وكان قاضي القضاة جلال الدين القزويني حاضراً فأكثر من الثناء على أيتمش وقال: هذا الذي فعله هو الإسلام ". وفيه قدم الأمير تنكز نائب الشام في يوم الإثنين سادسه ومعه الأمير سيف الدين أرقطاي
نائب صفد. فأكرم السلطان الأمير أرقطاي وقربه وتقدم إلى جميع الأمراء أن يقدموا له التقادم فقدم له كل أحد على قدر همته وأنعم السلطان على أحد ولديه بإمرة طبلخاناه وعلى الآخر بإمرة عشرة. وكان سبب قدومه من صفد أن الأمير تنكز لما توجه في السنة الخالية من دمشق يريد القدوم على السلطان على عادته ركب الأمير أرقطاي من صفد ليلقاه من رأس اللجون ومد له سماطاً جليلاً وركب إلى لقائه فلم ينصفه الأمير تنكز في السلام عليه وسار حتى قرب من السماط فلم يلتفت إليه ولا نزل له ومر من غير أن يأكل منه. فشق ذلك على أرقطا وقيل لتنكز إنه قد انكسر خاطره من الأمير فقال: " ومن قال له يعمل هذا فبلغ ذلك السلطان فعتبه عند حضوره على ما كان منه لأرقطا وقال له: وماذا كان يصيبك لو أكلت طعامه وأمره ان يحضره صحبته إذا قدم في السنة الآتية وكتب لأرقطاي أن يحضر مع الأمير تنكز فلما خرج الأمير تنكز من دمشق في هذه السنة وتلقاه أرقطا أكرمه تنكز ومضى به إلى مصر ثم سافرا إلى محل كفالتهما في يوم الثلاثاء سادس عشرة. وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شهر رجب: توجه الأمير سيف الدين طرغاي الجاشنكير والأمير بيغرا والأمير ملكتمر السرجواني. وقد استقر في نيابة الكرك بإبراهيم ولد السلطان إلى مدينة الكرك ليقروه بها فوصلوا به إليها وعادوا منها ومعهم أحمد ابن السلطان وكان قد توجه قبل
ذلك إلى الكرك فقدموا به قلعة الجبل في يوم السبت سادس عشر شعبان ومعه الأمير بهادر البدري نائب الكرك. فختن الأمير أحمد ابن السلطان يوم الإثنين ثامن عشرة بعد وصوله بيومين. وفيه قدمت رسل ملك الهند وكان مجيؤهم من جهة بغداد فأكرموا وخلع عليهم وساروا في أخره. وفي يوم الأربعاء خامس رمضان: أفرج عن الشريف ودي أمير المدينة النبوية وعن خرص ابن أخيه وكانا قد اعتقلا بقلعة الجبل في أول شوال سنة تسع وعشرين فرتب لهما راتب حسن مدة ثم أنعم عليهما بإقطاع في الشام وسارا إليها فمات خرص ثم ولي ودي إمرة المدينة. وفي هذا الشهر: فر يوسف الكيمياوي من سجنه فنودي عليه بالقاهرة ومصر وسرحت البطائق على أجنحة الحمام لولاة الأعمال بتحصيله. وفي عاشره: خلع على الأمير ملكتمر السرجواني واستقر في نيابة الكرك عوضاً عن بهادر البدر وسافر من يومه. وفي يوم السبت خامس عشره. حمل من خزانة الخاص بالقلعة مهر آنوك ولد السلطان إلى بنت الأمير بكتمر الساقي: وهو عشرة ألاف دينار ومائتان وخمسون تفصيلة حرير مثمنة ومائة نافجة مسك وألف مثقال عنبر خام ومائة شمعة موكبية وثلاثة أرؤس من الخيل مسرجة
وسلم ذلك إلى الأمير أيدغمش أخور والأمير طقتمر الخازن دوادار القاضي شمس الدين موسى ناظر الخاص وألبس الثلاثة تشاريف جليلة وتوجهوا بذلك إلى بيت الأمير بكتمر الساقي فكان يوماً مشهوداً. وعقد العقد وعملت المهمات والأفراح الملوكية. وفي يوم الإثنين نصف شوال: رسم بعزل نواب قضاة القضاة الأربعة بالقاهرة ومصر وكانت عدتهم قد بلغت نحو الخمسين نائباً فعزلوا بأجمعهم. وفي أول ذي القعدة: سار الأمير صلاح الدين يوسف دوادار قبجق رسولاً إلى أبي سعيد ملك العراق. وفي يوم الأحد ثالث عشره: كتب كتاب الأمير ملجك ابن أخت الأمير قوصون على بنت الأمير تنكز نائب الشام. وحملت إليه من دمشق وصحبتها أموال جزيلة وتحف جليلة فعملت أفراح سنية مدة أيام. وفيه أيضاً كان وفاء النيل وهو خامس عشرى مسري. وفي سابع عشره: استقر شهاب الدين الإقفهسي في نظر الدولة عوضاً عن تقي الدين عمر بن محمد بن السلعوس. وفي يوج الإثنين خامس ذي الحجة: أسلم من الكتاب النصارى المهذب كاتب الأمير بكتمر
وفي يوم السبت سابع عشره: ركب السلطان إلى الميدان الذي استجده وقد كملت عمارته. وكان قد رسم في أول هذه السنة بهدم مناظر الميدان الظاهري وتجديد عمارته وفوض ذلك إلى الأمير ناصر الدين محمد بن المحسن فهدمها وباع أخشابها بمائة ألف درهم وألفي درهم واهتم في عمارة جديدة فكمل البناء في مدة شهرين وجاء كأحسن شي ء يكون. فخلع عليه السلطان وفرق على الأمراء الخيول المسرجة الملجمة. وفي هذا الشهر: قبض على يوسف الكيمياوي بمدينة أحميم وحمل مقيداً فوصل إلى قلعة الجبل في رابع عشريه. ومثل يوسف بين يدي السلطان فسأله عن المال فقال: عدم مني. فسأله السلطان عن صناعته فقال: كل ما كنت أفعله إنما هو خفة يد فعوقب عقوبة شديدة بالضرب ثم حمل إلى خزانة شمائل سجن أرباب الجرائم بجوار باب زويلة من القاهرة فمات ليلة الأحد خامس عشريه فسمر وهو ميت وطيف به القاهرة على جمل في يوم الأحد. وكان قد عزم السلطان على أن يؤمر ولده أحمد المحضر من الكرك فركب الأمير بكتمر الساقي وسائر الأمراء وجميع الخاصكية إلى القبة المنصورية بين القصرين في خدمة الأمير أحمد وهو بشربوش وعلى رأسه سنجق وأمر معه أيضاً ثلاثة أمراء عشراوات في يوم الإثنين سادس عشريه. وألزم الأمير ناصر الدين بن المحسني والي القاهرة جميع أرباب الحوانيت بالقاهرة أن يوقدوا الشموع والقناديل ويزينوا القاهرة زينوا الأسواق وأشعلوا الشموع والقناديل وجلس أرباب الملهى في عدة أماكن يضربون بألاتهم فرحاً بتأمير أحمد ابن السلطان. واتفق في هذه السنة توالي الأفراح لأجل عافية السلطان وتزويج ولده أنوك وتزويج ملجك ابن أخت قوصون وتأمير أحمد بن السلطان. وفيه ورد الخبر بإفساد العرب ببلاد الصعيد قطعهم الطريق فاستدعي ظلظية متولي الشرقية وخلع عليه واستقر في كشف الوجه القبلي فسار في تجمع كبير وأوقع بأهل الصعيد وقتل كثيراً من العربان و لم يراع أحداً من الأمراء في بلاده فعظمت مهابته وخاف كل أحد بادرته.
|